فاتورة الدمار.. ألبانيز تُحمل إسرائيل وداعميها مسؤولية إعادة إعمار غزة
فاتورة الدمار.. ألبانيز تُحمل إسرائيل وداعميها مسؤولية إعادة إعمار غزة
في موقف حاد وغير مسبوق من حيث وضوحه السياسي والقانوني، دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز إلى تحميل إسرائيل، إلى جانب الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، مسؤولية تسديد تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة.
تصريحات ألبانيز جاءت خلال فعالية نظمها مركز أبحاث أو دي آي غلوبال، الجمعة، في لندن، وشكلت محطة جديدة في مسار تصعيدي تتبناه المسؤولة الأممية في مواجهة ما تصفه بإفلات ممنهج من المحاسبة وفق وكالة أنباء الأناضول.
وأكدت ألبانيز أن حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة لا يمكن فصله عن منظومة دعم عسكري وسياسي دولي مكّن إسرائيل من مواصلة حربها. وقالت بوضوح إن إعادة إعمار غزة ليست مسؤولية إنسانية مجردة تقع على عاتق المانحين الدوليين، بل التزام قانوني وأخلاقي يجب أن تتحمله إسرائيل وداعموها الرئيسيون.
موردي السلاح لإسرائيل
أشارت ألبانيز، إلى أن الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا تعد من أبرز موردي السلاح لإسرائيل، ما يجعلها شريكة في المسؤولية عن النتائج الكارثية التي انتهت إليها الحرب.
في كلمتها، شددت ألبانيز على أن ما يجري في فلسطين لا يمكن فهمه بمعزل عن التاريخ الاستعماري للمنطقة، واعتبرت أن الإصرار على التعامل مع الواقع الحالي بوصفه أزمة طارئة أو نزاعاً معزولاً هو استمرار لوهم سياسي وثقافي راسخ.
وأضافت أن ما يجب أن يناقشه العالم بجدية ليس فقط أحداث 7 أكتوبر 2023، بل بشاعة ما وقع خلال العامين الماضيين من دمار وقتل ممنهج، وما سبقهما من سياسات متراكمة.
وصفت المقررة الأممية الوضع القائم في فلسطين بأنه انعكاس مباشر لما أسمته الهيمنة الثقافية، في إشارة إلى منظومة فكرية وسياسية تبرر العنف وتعيد إنتاجه عبر خطاب أمني وإنساني مزدوج، وأوضحت أن هذا النوع من الهيمنة يسمح بتطبيع الانتهاكات، وتحويل الضحية إلى متهم، في حين يجري تصوير القوة المفرطة باعتبارها دفاعاً عن النفس.
دور بريطانيا تحت المجهر
ألبانيز ربطت بين ممارسات إسرائيل الحالية وبين الإرث الاستعماري البريطاني في فلسطين، معتبرة أن كثيرا من السياسات المطبقة اليوم ليست جديدة، وأشارت إلى أن نظام الاعتقال الإداري، الذي يسمح باحتجاز الفلسطينيين دون توجيه تهم أو محاكمة، وكذلك أساليب التعذيب، تمثل امتداداً مباشراً لأساليب استخدمتها بريطانيا خلال فترة انتدابها، وهذا الربط، بحسب ألبانيز، يضع مسؤولية تاريخية وأخلاقية على لندن تتجاوز حدود المواقف الدبلوماسية التقليدية.
لم تكتف ألبانيز بالإشارة إلى الماضي، بل انتقلت إلى الحاضر، متهمة بريطانيا بتقديم دعم عملي لإسرائيل من خلال قواعدها العسكرية المستخدمة في إدارة جنوب قبرص الرومية، واعتبرت أن هذا الدعم يستوجب تحقيقا شاملا، مؤكدة أن أي تورط لوجستي أو استخباراتي في العمليات العسكرية الإسرائيلية يجب أن يخضع للمساءلة، وقالت إن الحديث عن حقوق الإنسان يصبح فارغا إذا لم يقترن بتدقيق فعلي في أدوار الدول المتحالفة مع إسرائيل.
وكشفت ألبانيز عن تأثير العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، مشيرة إلى أنها لم تبق في الإطار السياسي، بل امتدت إلى حياتها الشخصية والمهنية، وأوضحت أن النظام القانوني الأمريكي يعاملها كأنها مجرمة، حيث يحظر عليها السفر إلى الولايات المتحدة، ولا تستطيع حتى فتح حساب مصرفي، وأضافت أن هذه القيود لا تقتصر على الأراضي الأمريكية، بل تنعكس في أماكن عدة حول العالم، في مؤشر على مدى النفوذ الذي تمارسه واشنطن.
بحسب ألبانيز، فإن هذه العقوبات لا تستهدفها كشخص فقط، بل تهدف إلى توجيه رسالة ترهيب لكل من يسعى إلى مساءلة إسرائيل أو التشكيك في السردية السائدة،ورأت أن تقييد حركة المقررين الأمميين وتقويض استقلالهم يضرب في الصميم منظومة حقوق الإنسان الدولية، ويجعل من المساءلة مجرد شعار بلا أدوات.
إعادة الإعمار مساءلة لا إحساناً
شددت المقررة الأممية على أن إعادة إعمار غزة يجب ألا تختزل في مؤتمرات للمانحين أو مبادرات إغاثية، بل ينبغي أن تكون جزءا من عملية مساءلة شاملة.
وقالت إن تحميل إسرائيل وداعميها تكلفة الإعمار يشكل اعترافا بالمسؤولية، ويكسر منطق الإفلات من العقاب الذي رافق الصراع لعقود. وأكدت أن أي مقاربة أخرى ستعيد إنتاج الدمار ذاته بعد سنوات قليلة.
ألبانيز حذرت من تفاقم غير مسبوق في الأزمة الإنسانية في فلسطين، في ظل استمرار آثار الحرب والحصار والدمار الواسع، ودعت المجتمع الدولي إلى تفعيل آليات المساءلة دون تأخير.
واعتبرت أن الوقت لم يعد يسمح بمزيد من البيانات القلقة أو الدعوات العامة لضبط النفس، وأكدت أن حماية المدنيين وإعادة إعمار ما دمرته الحرب مسؤولية قانونية قبل أن تكون التزاماً أخلاقياً.
أرقام تعكس حجم الكارثة
الحرب التي وصفتها ألبانيز بالإبادة الجماعية بدأت في 8 أكتوبر 2023 بدعم أمريكي، واستمرت عامين، وخلفت أكثر من 70000 شهيد فلسطيني، وما يزيد على 171000 جريح، كما دمرت نحو 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية في قطاع غزة، بما في ذلك المنازل والمستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، وقُدرت الخسائر الأولية بنحو 70 مليار دولار، وهو رقم يعكس حجم الدمار لكنه لا يختزل المعاناة الإنسانية العميقة.
في ظل هذه الأرقام، تطرح تصريحات ألبانيز تساؤلات جوهرية حول دور المجتمع الدولي، وحدود التزامه بالقانون الدولي الإنساني، فبينما تتدفق المساعدات الإنسانية، يبقى سؤال المحاسبة معلقا، ويظل تمويل إعادة الإعمار محكوما بمنطق التبرعات لا بمنطق التعويض عن الضرر.
تأتي مواقف فرانشيسكا ألبانيز في سياق تصاعد الانتقادات داخل أروقة الأمم المتحدة للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، خاصة بعد حرب غزة التي اندلعت في أكتوبر 2023، ويشغل منصب المقرر الخاص المعني بفلسطين دورا رقابيا مستقلا، يهدف إلى توثيق الانتهاكات ورفعها إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة، غير أن هذا الدور كثيرا ما يصطدم بضغوط سياسية، خصوصا من الولايات المتحدة وحلفائها.
ومع اتساع حجم الدمار في غزة وارتفاع أعداد الضحايا، برزت دعوات متزايدة لربط إعادة الإعمار بمسار مساءلة قانونية، بدلا من الاكتفاء بإدارة الأزمة إنسانيا، وتعكس تصريحات ألبانيز هذا التحول، وتضع ملف غزة في قلب نقاش دولي أوسع حول الاستعمار والإفلات من العقاب ومسؤولية الدول الداعمة عسكريا وسياسيا عن نتائج الحروب التي تندلع بدعمها.











